Monday, February 4, 2008

أبيض وأسود


كان تلفزيون الابيض والاسود ذو القوائم الخشبية النحيفة يحتاج الى نصف ساعة لتشغيله وربع ساعة لاطفائه حتى تسخن «اللمبات» يبدأ التشغيل بنقطة ضوء بحجم رأس القلم ثم تكبر، ثم يخرج خط عمودي يتبعه خط افقي بعد ذلك بثوان تقلب الصورة عشرون مرة ثم تستقر على اشبه وجوه وبعدها تزداد وضوحا شيئا فشيئا.. كان بالغالب يفتح قبل اخبار الثامنة بنصف ساعة ويغلق بعدها مباشرة، ومجاله الوحيد بين قناتي الشام وعمان ونادرا قنال «ستة» اما هذه القنال الاخير لم يكن محببا لوجود مشاهد قد تمس احد بنود مرسوم الحشمة العائلي المطبق سنة 1950 ميلادي. حتى في القناتين المذكورتين وفور ظهور مشاهد رقص ولو كان محتشما او بروز ممثلة ترتدي لباسا قصيرا.. كانت تتولى لجان النهي عن المنكر في البيت النداءات المتتالية.. غير.. غير.. غير «قيم عنه» «اقلعهم غاد»..الخ.

كما كان لمسألة «رفع» صوت التلفزيون وتخفيضه قصة عويصة تحتاج الى جاهة محترمة يتدخل بها كبير العائلة واحيانا الى قضوة عشائرية.. فعندما يطلب كبير «القعدة» رفع الصوت ليسمع ما يقول ابراهيم شاه زادة مثلا بعد ان يعدل جلسته ويحني ظهره مقتربا من الشاشة، متزامنا مع طلب اعتيادي يتكرر الف مرة في السهرة «قوم انهض له يا فلان شوي» كان يحتج فلان «والله هسع رفعت له.. خلي فلان».. فيطلب من الثاني ان يهجر «لحافه» ويرفع للصوت فيرد الثاني «انا.. غيرت على الشام قبل الاخبار، هسع دور علان» فيرتفع الجدال، ويطير كأس «المنيوم» فارغ من كبير القعدة الى اشدهم «دقارة» بعد ان يرفع الصوت بنفسه.

هناك مشاكل اخرى كانت تواجهنا مع تلفزيونات الابيض والاسود: منها اذا تغيرت درجة اللون الرمادي او الاسود او باتت الصورة اعتم او اكثر اضاءة من التلفزيون او من البث نفسه كنا نتهم ونحول للتحقيق فرع (مين لعب فيه ولكوا)؟ كون الجهاز من المحرمات المساس به لدقة اسلاكه وحساسية عياراته

اما (حمة البال) الكبرى.. عندما ينقل التلفزيون الاردني مباراة لكرة القدم من الدوري الممتاز او من بطولة عربية في ظروف جوية ماطرة.. كان يتعكر البث وتختلط الخطوط وتقلب الصورة من فوق الى تحت بشكل سريع كلما ارتفع صوت محمد جميل عبدالقادر معلقا على هجمة اكاد اجزم بأني لم استمتع بمشاهدة مباراة كاملة، طوال اقتنائنا ذاك التلفزيون.

لكن المفارقة الاهم في قصتي مع الابيض والاسود.. اني كنت اعتقد جازما باني «حريف» في تضبيط الشبكة بعد لفها يمينا وشمالا بدرجات بسيطة.. بناء على توجيهات احد الاخوان قرب التلفزيون متفاخرا باني الوحيد القادر على جعل الصورة «طبع» من اول لفة.. لاكتشف لاحقا وبعد سنين طويلة ان سلك الهوائي لم يكن موصولا بمؤخرة التلفزيون بل كان مستخدما كحبل غسيل.. وان السلك الموصول بالجهاز لا صلة له بالشبكة

No comments: